SHARE
المسألة السجنية في البحرين
من عصا الفداوي إلى سياسات الموت


اطلب/اطلبي هذا الكتاب/الكُتيّب بصيغة بي دي أف باللغة العربية

المعتقلون السياسيون

هذا الدَّفْتَرُ، الرّابعُ في سِلْسِلَةِ «دَفاتِرِ مُنْتَدى المَشْرِقِ والمَغْرِبِ للشُّؤونِ السِّجْنِيَّة»، لا يَدَّعِي أكْثَرَ مِمَّا هُوَ: مَدْخَلٌ إلى المَسْأَلَةِ السِّجْنِيَّةِ في البَحْرَيْن. وَلكِنْ، رَغْمَ قِلَّةِ ادِّعائِهِ وَهِيَ قِلَّةٌ مَحْمُودَةٌ لا يُغادِرُ المُطالِعُ/المطالِعَةُ هذِهِ الصَّفَحاتِ مُكْتَفِيًا بِما اكْتَسَبَهُ مِنْ مَعْلوماتٍ، بَلْ مُحَمَّلًا بِجُمْلَةٍ مِنَ الأسْئِلَةِ التي يَصْلُحُ التَّوَسُّلُ بِها للإضاءَةِ على ما قَدْ يَسْتَغْلِقُ مِنْ تاريخِ المَسْأَلَةِ السِّجْنِيَّةِ في العَديدِ مِنْ بُلْدانِ المَشْرِقِ وَالمَغْرِب. وَلَعَلَّ في الطَّليعَةِ مِنْ هذِهِ الأسْئِلَةِ التي يُلامِسُها عَبّاس المُرْشد هوَ السُّؤالُ عَنْ نَشْأةِ «السَّجينِ السِّياسي» في البَحْرَيْن، واسْتِطرْادًا عَنْ نَشْأةِ «السِّياسَةِ» بِمَعْناها الذي يَلْحَقُ بِهِ تَفَتُّقُ صِنْفٍ جديدٍ مِنَ السِّجْنِ: «السِّجْنِ السِّياسي»! فالبَحْرَيْن، قَبْلَ «إصْلاحاتِ» العِشْرينيَّاتِ، وهيَ على ما تَسْتَعْرِضُ هذِهِ الصَّفحاتُ بإيجاز إصْلاحاتٌ أُرْسِيَتْ مَعَها وبِفَضْلِها أرْكانُ الدَّوْلَةِ ومُؤَسَّساتُها لا أقَلَّ، لَيْسَتْ هيَ هيَ بَعْدَها، و«النِّظامُ العامُّ»، مِنْ حَيْثُ هوَ وَجْهٌ مِنْ وُجوهِ «السِّياسَةِ»، لَيْسَ هوَ هوَ، والنَّاسُ، كذلِكَ، ليسوا هُمُ هُم... وَهَلْ أدلُّ على ذلِكَ مِنْ أنَّ تِلْكَ «الإصْلاحاتِ» ألْغَت، وَلَوْ صُورِيًّا، تَنْظيمَ الفِداويَّةِ، أيِ الأداةَ الأمْنِيَّةَ التَّقْليديَّةَ المُؤْتَمِرَةَ بِإمْرَةِ أهْلِ السُّلْطَةِ، وأنهَّا أنْشَأَتْ جِهازًا شُرَطِيًّا، وأنَّها باشَرَتْ إلْحاقَ السُّجونِ بِمَقَرِّ هذا الجِهازِ بَعْدَ أنْ كانَتِ السُّجونُ مُلْحَقَةً بالقِلاعِ التي يَحْكُمُ عَلَيْها أفْرادٌ وعائِلات؟

بِصَرْفِ النَّظَرِ عَنِ الطَّبيعَةِ «الكولونياليَّة» لِتِلْكَ الإصْلاحاتِ، وَعَنِ المَوْقِفِ مِنْها تَحْتَ هذا العُنْوان وصاحِبُ هذِهِ الصَّفحاتِ صَريحٌ في مَوْقِفِهِ مِنْها فَمِلاكُ الأمْرِ أنَّ تِلْكَ الإصْلاحاتِ آذَنَتْ بِتَحَوُّلِ السِّجْنِ في البَحْرَيْنِ مِنْ مَرْفِقٍ خاصٍّ إلى مَرْفِقٍ عامٍّ سَواءٌ أسَلَّمَ المُطالِعُ بما يَذْهَبُ إلَيْهِ صاحِبُ هذِهِ الصَّفَحاتِ مِنْ أنَّ السِّجْنَ تَحَوَّلَ إلى «مُؤَسَّسَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ ظاهِرِيًّا لكِنْ تُدارُ مِنْ رَئيسِ الشُّرْطَةِ وبِتَوْجيهاتِ الحاكِم» أمْ رَأىَ غَيْرَ ذلِك. 

بِناءً عَلَيْهِ يُمْكِنُ القَوْلُ أنَّ نَشْأَةَ السِّجْنِ الدَّوْلَتِيِّ في البَحْرَيْنِ لا تَخْرُجُ في خُطوطِها العَريضَةِ عَنِ السِّياقِ الذي عَرَفَتْهُ تِلْكَ النَّشْأَةُ في نَواحٍ أُخْرى مِنَ المَشْرِقِ والمَغْرِب، ولكِنْ، بِلِحاظِ أنَّ هذِهِ النَّشْأَةَ، مِنْ «عصا الفِداوي» إلى ما يُسَمِّيهِ صاحِبُ هذِهِ الصَّفَحاتِ «سِياساتِ المَوْت»، مَحْصورَةٌ في مَجالٍ زَمَنِيٍّ ضَيِّقٍ نِسْبِيًّا، وَمُتسارِعَةٌ في مَحَطَّاتِها، يُمْكِنُ القَوْلُ أيْضًا إنَّها «نَموذَجِيَّةٌ» في تَمْثيلِها على هذا السِّياقِ نَفْسِهِ الذي كُتِبَ لَهُ، في بُلْدانٍ أُخْرى، أنْ يَمْضي بَطيئًا وَمُتَعَرِّجًا فلا يَسْتبينُ دَائِمًا، تَمامَ الاسْتِبانَةِ، ما بَيْنَ بَواكِيرِهِ ومُقَدِّماتِهِ وما تَدَرَّجَ إلَيْهِ وَيَتَدَرَّجُ مِنْ نَسَبٍ وَثيق…